الخطابة فن يجمع بين المنطق والعاطفة بأسلوب نثري.. أي رسالة مقروءة.. غايتها التأثير في المستمعين وإقناعهم بصواب قضية أو بخطأ أخرى. (فن مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم).
التاريخ الإنساني مليء بخطباء استطاعوا أن يؤثروا في الجماهير بشكل ملحوظ. يذهب البعض إلى أن أشهر خطباء التاريخ هو فرعون الذي قال: «.. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ، فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ» (الزخرف 51-53).. استفز قومه بتلك الخطبة.. فأطاعوه وهلكوا.
على الرغم من أن التاريخ العربي اشتهر بالشعر.. إلا أن الإنسان العربي بفطرته خطيب مفوَّه. وقد شهد التراث العربي نماذج متألقة لخطباء مؤثرين بشكل مدهش. ففي الجاهلية اشتهر قس بن ساعدة بخطبه القوية؛ وهو أول من قال: (أما بعد..). وفي العصر الإسلامي شهدت الخطبة رواجاً كبيراً تفوق على الشعر – لعلاقتها وارتباطها بالدين –. من أشهر خطباء الإسلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. ثم يأتي الخلفاء الراشدون. وكان عصر الخطابة الذهبي كما يشير المؤرخون هو العصر الأموي؛ ومن أشهر خطباء ذلك العصر: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.. والحجاج..
في العصر الحديث، أخذت الخطابة مكانة مرموقة لأنها التصقت إلى حد كبير بالدعوات الإصلاحية عموماً.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ومحاربة البدع.. والحث على العمل.. والتوعية والتعليم.. وقد استعان أصحاب الدعوات – مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – بالخطابة لنشر مبادئ الإسلام والترويج للفكر الإسلامي الصحيح وإقناع الجماهير بمفردة التوحيد.
الخطبة في عصرنا الحالي امتازت بتداخل أنواعها: الدينية، والقضائية، والعلمية، وربما السياسية معها.. مما يدفع بالضرورة إلى إعادة صياغة طبيعتها وأسسها العملية ومواكبة تطورها. وهذا يحتاج إلى (كلية للخطابة). فما يقدم حالياً هو عبارة عن دورات.. ومواد في أقسام علمية.. وربما قسم في كلية.. وهو جهد مشكور.. ولكن المأمول – الذي يحفظ للخطابة مكانتها الحالية – هو إنشاء كلية متخصصة في الخطابة. تقبل الطلاب الراغبين في أن يصبحوا خطباء في المستقبل أو يطوروا أساليبهم الحالية.. خصوصاً بعض خطباء المساجد الذين يرغبون في تنمية هذه المهارة.
الجهة التي يمكن أن تهتم بهذه المبادرة هي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. فمعالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس يهتم بمثل هذه المبادرات ويشجعها.. ولو تبنتها الرئاسة، ستكون نقطة تحول في مفهوم الخطابة.. وسيقصدها الطلبة من كافة دول العالم الإسلامي.. وتكون تلك الكلية منبراً لتعليم الخطابة في العصر الحديث.
* كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com
التاريخ الإنساني مليء بخطباء استطاعوا أن يؤثروا في الجماهير بشكل ملحوظ. يذهب البعض إلى أن أشهر خطباء التاريخ هو فرعون الذي قال: «.. يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ، فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ» (الزخرف 51-53).. استفز قومه بتلك الخطبة.. فأطاعوه وهلكوا.
على الرغم من أن التاريخ العربي اشتهر بالشعر.. إلا أن الإنسان العربي بفطرته خطيب مفوَّه. وقد شهد التراث العربي نماذج متألقة لخطباء مؤثرين بشكل مدهش. ففي الجاهلية اشتهر قس بن ساعدة بخطبه القوية؛ وهو أول من قال: (أما بعد..). وفي العصر الإسلامي شهدت الخطبة رواجاً كبيراً تفوق على الشعر – لعلاقتها وارتباطها بالدين –. من أشهر خطباء الإسلام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. ثم يأتي الخلفاء الراشدون. وكان عصر الخطابة الذهبي كما يشير المؤرخون هو العصر الأموي؛ ومن أشهر خطباء ذلك العصر: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.. والحجاج..
في العصر الحديث، أخذت الخطابة مكانة مرموقة لأنها التصقت إلى حد كبير بالدعوات الإصلاحية عموماً.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ومحاربة البدع.. والحث على العمل.. والتوعية والتعليم.. وقد استعان أصحاب الدعوات – مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – بالخطابة لنشر مبادئ الإسلام والترويج للفكر الإسلامي الصحيح وإقناع الجماهير بمفردة التوحيد.
الخطبة في عصرنا الحالي امتازت بتداخل أنواعها: الدينية، والقضائية، والعلمية، وربما السياسية معها.. مما يدفع بالضرورة إلى إعادة صياغة طبيعتها وأسسها العملية ومواكبة تطورها. وهذا يحتاج إلى (كلية للخطابة). فما يقدم حالياً هو عبارة عن دورات.. ومواد في أقسام علمية.. وربما قسم في كلية.. وهو جهد مشكور.. ولكن المأمول – الذي يحفظ للخطابة مكانتها الحالية – هو إنشاء كلية متخصصة في الخطابة. تقبل الطلاب الراغبين في أن يصبحوا خطباء في المستقبل أو يطوروا أساليبهم الحالية.. خصوصاً بعض خطباء المساجد الذين يرغبون في تنمية هذه المهارة.
الجهة التي يمكن أن تهتم بهذه المبادرة هي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. فمعالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس يهتم بمثل هذه المبادرات ويشجعها.. ولو تبنتها الرئاسة، ستكون نقطة تحول في مفهوم الخطابة.. وسيقصدها الطلبة من كافة دول العالم الإسلامي.. وتكون تلك الكلية منبراً لتعليم الخطابة في العصر الحديث.
* كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com